مأدبة اللئام

قال جحا : في يوم من الايام , دعيت الى وليمة عند عظيم من عظماء بلدتنا ,فقلت ان ذلك فضل لنا نناله على موائد الاغنياء في النادر القليل , وليس من اللائق ابدا ان نفرط في ذلك القليل ابدا , وكما قيل قديما : من دعي فاليجيب , ولا يأبى الكرامة الا اللئيم ,ناهيك ان الدعوة الى طعام شهي يدفع الدم الى الشرايين حارا قويا , ويكسب الجسم صحة وعافية .
وظللت اعد اللحظات واصور للنفس ما لا سيكون على المائدة من الوان الطعام , والحقيقة اني كنت اليوم جائعا حتى اقبل على المعركة , وانا متسلح لها بسلاح الجوع الذي لا يقاوم , فما ان قارب الموعد حتى نهضت للامير مهرولا اشرف على اهل الدار , واقترب من الجمع الحاشد , لافتراس الوليمة , حتى رأيتهم يصدونني عن قصدي , ويقفون عقبة في سبيل الوليمة ... هذا ينظر الى جبتي الممزقة ثم يدفعني بيده الى الوراء ... وذلك يحدق في ثيابي القذرة , ثم يقول لي ما هذا الوباء ... وثالث يضرب في صدري بيديه ويقول لي : ليس هذا مكان للمتسولين !
حتى الاطفال راحوا يجذبونني من ذيلي وهم يعبثون ويضحكون ... وبهذا اصبح وصولي الى مكان الطعام اشد عسرا من ولوج الجمل من ثقب ابرة الخياط .
فعدت خائبا منكسر الخاطر احمل بين جنبي حسرة أليمة على ما فاتني في تلك الوليمة .. وجعلت اعزي نفسي بالكلام قائلا : لا بأس فهذا حظ اللئام من موائد اللئام , على اني سرعان ما تمالكت نفسي , وجمعت شتات افكاري وقلت ان الطعام الشهي لا يصح التفريط فيه بهذه السهولة , ولابأس ان يركب الانسان في سبيله الخطر ويلتمس في الوصول اليه كل حيلة , وعلى هذا خطر لي الخاطر في معاودة الهجوم من جديد , فاسرعت الى البيت وتقمشت
 ما عندي من قماش مليح وارتديت جبتي الفضفاضة الجميلة ومشيت في هيئة وقورة , حتى اشرفت على اهل الوليمة , فما راني الحاضرون حتى اخذوا يفسون لي الطريق ويمشون بين يدي مرحبين مسرورين , وانا في كل ذلك انظر اليهم في اغضاء , وارد عليهم التحية في اباء , حتى انتهيت الى مكان الطعام , ومازلت حتى انتهيت الى مكان الطعام فهيأوا لي المكان في الصدر بين الجالسين ...

وقدم الطعام الوانا واصنافا , وكانت وفيرة وكثيرة وشهية , فأخذت اخوض المعركة ذات اليمين وذات اليسار , واغوص بيدي في كل مكان والاسنان تقطع والحلق يبلع حتى امتلأت وتضلعت حتى انتهيت ...
وما كان لي وقد نلت غايتي ان انسى لاصاب الفضل فضلهم ,فسرعان ما نهضت ونزعت عني جبتي , والقيت بها على الطعام , فغاصت اطرافها الواسعة في الاطباق وامتلأت بالطعام ...
وفزع الجالسون مما رأوا , وتعجبوا لما شاهدوا , واقبلوا علي يقولون ...
ما هذا ايها الشيخ الوقور الذي فعلته ؟
ضحكت قائلا :
ايها السادة الكرام , فما صنعت الا الاعتراف بالجميل ...
وان الجبة تعرف من هذا مالا تعرفون , فلولاها لما جلست بينكم على مائدة اللئام , فهي اولى مني بالاطعام والاكرام ...


مأدبة اللئام


عن بيت القصص

بيت القصص مدونة تعنى بنشر القصص التاريخية و القصص المنوعة وقصص للاطفال وكذلك تهتم بنشر الكتب بمختلف مجالاتها ونشر وكتابة الروايات

    تعليقات بلوجر

0 التعليقات:

إرسال تعليق