ثمن المعجزة
توجهت الطفلة ذات السادسة الى غرفة نومها , وتناولت حصالة نقودها من مخبئها السري في خزانتها , ثم افرغتها مما فيها على الارض , واخذت تعد بعناية ماجمعته من نقود خلال الاسابيع الفائتة , ثم اعادت عدها ثانية , ثم همست في سرها : انه بالتاكيد كافية , ولا مجال لاي خطأ . وبكل عناية ارجعت النقود الى الحصالة ثم لبست رداءها , وتسللت من الباب الخلفي , متجهة الى الصيدلية التي لاتبعد عن دارها كثيرا .
كان الصيدلي مشغولا للغاية , فانتظرته صابرة , ولكنه استمر منشغلا عنها , فحاولت لفت نظره دون جدوى , فما كان منها الا ان اخرجت قطعة معدنية بقيمة ربع دولار من الحصالة , فألقتها فوق زجاج الطاولة , التي يقف وراءها الصيدلي , عندئذ فقط انتبه لها , فسألها بصوت يعبر فيه عن استياءه , ماذا تريدين ايتها الطفلة ؟ انني اتكلم مع شقيقي القادم من شيكاغو , والذي لم اره منذ زمن طويل .. فأجابته بحدة مظهره بدورها انزعاجها من سلوكه :
شقيقي الصغير مريض جدا وبحاجة الى دواء اسمه (المعجزة) , واريد ان اشتري هذا الدواء .
اجابها الصيدلي بشيء من الدهشة : عفوا ماذا قلت ؟
فاستأنفت كلامها قائلة بكل جدية : شقيقي الصغير اندرو , يشكو من مشكلة غاية في السوء , يقول والدي ان هناك ورما في رأسه , لا تنقذه منه سوى معجزة , هل فهمتني ؟؟؟ فكم هو ثمن (المعجزة)؟ارجوك افدني حالا !
اجابها الصيدلي مغيرا لهجته الى اسلوب اكثر نعومة : انا اسف لا ابيع (معجزة) في صيدليتي !
اجابته الطفلة ملحة : اسمعني جيدا , فانا معي مايكفي من النقود لشراء الدواء , فقط قلي كم هو الثمن .
كان شقيق الصيدلي يصغي الى الحديث , فتقدم من الطفلة سائلا : ما نوع (المعجزة) التي التي يحتاجها شقيقك اندرو ؟
اجابت الفتاة بعينين مغرورقتين : لا ادري , ولكن كل ما اعرفه ان شقيقي حقيقة مريض جدا , قالت امي انه بحاجة الى عملية جراحية , ولكن ابي اجابها انه لا يملك نقودا تغطي هذه العملية , لذلك قررت ان استخدم نقودي ...!
سألها شقيق الصيدلي مبديا اهتمامه : كم لديك من النقود يا صغيرة ؟ فأجابته مزهرة : دولار واحد و أحد عشر سنتا , ويمكنني ان اجمع المزيد اذا احتجت .
اجابها مبتسما : يا لها من مصادفة ! دولار واحد وأحد عشر سنتا , هي بالضبط المبلغ المطلوب ثمنا (للمعجزة) من اجل شقيقك الصغير .
ثم تناول منها المبلغ بيد وباليد الاخرى امسك بيدها الصغيرة , طالبا منها ان تقوده الى دارها ليقابل والديها , وقال لها : اريد رؤية شقيقك ايضا .
لقد كان ذلك الرجل هو الدكتور كارلتن ارمسترنغ , جراح الاعصاب المعروف .
وقد قام الدكتور كارلتن باجراء العملية للطفل اندرو مجانا , وكانت العملية ناجحة تعافى بعدها اندرو تماما ...بعد بضعة ايام , جلس الوالدان يتحدثان عن تسلسل الاحداث مذ تعرفا الدكتور كارلتن وحتى نجاح العملية وعودة اندرو الى حالته الطبيعية , كانا يتحدثان وقد غمرتهما السعادة وقالت الوالدة في سياق الحديث : انها حقا معجزة !
رسمت الطفلة على شفتيها ابتسامة عريضة , فهي تعلم وحدها ان ( المعجزة) كلفت بالضبط دولارا واحدا و أحد عشر سنتا .
عندما يكون حب الاخرين ... صادقا ... ونابعا من القلب ... عندها ستكون المعجزة ... ولن تكلف الكثير .
0 التعليقات:
إرسال تعليق